دراسات إسلامية
المسلمون
على طريق الخروج من الأزمة
بقلم
: د. / أحمد كمال أبو المجد
قال
تعالى: ﴿اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسٰلٰتِ
اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إلاَّ اللهَ وَكَفىٰ
بِاللهِ حَسِيبًا﴾ (سورة الأحزاب آية 39).
التبليغ
مهمة الأنبياء وهو أيضًا مهمة أتباع الأنبياء ومهمة من جاء من بعدهم، فنحن – المسلمين –
ورثة الأنبياء وأتباع الأنبياء أصحاب رسالة وحملة أمانة، هذه الأمانة التي
حُمِّلها أبونا آدم مما أعطي من العقل والمعرفة، معرفة كل الأشياء التي اختص بها
آدم من مخلوقات الله لما علمه الأسماء كلها، هو وذريته من بعده، فهم القادرون على
معرفة كنه هذه الأشياء وعلى تعظيم آفاق المعرفة؛ بل واستعمال العقل لمعرفة هذا
الكون. والعلم هو مدخل هذا كله.
والعلم
علمان: علم نظر، وعلم تجربة، فإقامة الدليل على الشيء إدراك ما تؤدي إليه المعرفة
من نتائج. هو عمل تعرفه العقول بالبداهة وقد تكلم فيه.
وقد
منح الله تعالى الإنسان الإرادة ليوظفها في إعمار الأرض ﴿بَلِ الإِنْسَانُ
عَلَىٰ
نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَوْ ألْقَىٰ
مَعَاذِيرَهُ﴾ (سورة القيامة الآيتان 15، 15) وأسقط الحساب عمن سقط عنه
الاختيار فالمكروه لا إثم عليه؛ لأنه لا اختيار له «رفع
عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»فلما
اجتمع العقل مع الإرادة صار الإنسان حامل أمانة ﴿إِنَّا عَرَضْنَا
الأمَانَةَ عَلَى السَّمٰوٰتِ
وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ﴾ (سورة الأحزاب آية 72).
وقد
استخلفه الله في الأرض، فمنحه المال وأمره بعمارتها، فمهمته في هذه الدنيا مهمتان،
وإن غفل المسلمون عن واحدة منهما فسوف تؤدي بهم وتدفع بنا إلى كوارث لا قبل لنا
بها، ورغم ما تملكه الأمة من تراث زاخر؛ فإنها تعاني أزمات حادة تكاد أن تعصف بنا.
الأزمة الأولى: تعطيل العقول وتعطيل العلوم.
مع
أن النقل لا يغني عن العقل فقد تصورنا عكس ذلك، فمثل الذين يقرأون القرآن وهم لا
يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلاً وهم لا يعلمونه فأخذتهم روعة،
ومثل الذي يعلم التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح؛ فقرأوا ما في الكتاب ولذا فنحن في
خطر وشيك.
الأزمة الثانية:
هناك هموم معيشية... هناك هموم سياسية... وهناك هموم اقتصادية.. هناك ترد ثقافي.
وإن ما يريده الإسلام من الأمة
أن تدرك حقيقة واقعها.
من
أدركه فقد فتح على مصراعيه باب المعرفة والتغيير، وفتح باب العلاج، تمامًا. مثل
المريض يزين له أهله أنه سليم ومعافي فيقوم ليجري فيسقط مغشيًا عليه ومثل العاقل
يقول: «إن
الله ما جعل داءً إلا جعل له دواءً»
فيجعل الدواء علاجاً للداء.
نفتح طريق العلاج:
والأزمة
عندنا تتجاوز الخطاب الديني، مع أن المعرفة عندنا أمر تعبدي ووسيلة دعوية.
ومشكلتنا في الفكر الديني الجمعي المنتشر بين مئات الملايين من المسلمين. من أنكر
هذا فأجرنا على الله وأجره على الله. والآن أين ذهب العلم في هذه الأمة؟ التي
أخبرنا قرآنها في أكثر من آية عن العلم.
الأمية
التي نحن عليها الآن غير تلك الأمية التي كنا نعرفها في السابق.. الأمي الآن هو
الذي تغيب عنه حقائق الأمور بكل وسيلة لفهم الإسلام فهمًا صحيحًا.. الأمية الآن شر
وطاعون. الأمي الذي لايقرأ الآن لو سألته هنا في القاهرة أي البلدين أقرب إليك:
واشنطن أم قنا؟ لا يعرف؛ لأنه ما نظر في خريطة ولو نظر لايفهم. فهو يعيش في غيب
وغيب.
ولهذا
في صدر الإسلام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يفرج عن الأسير إذا قام بتعليم عشرة من أولاد المسلمين القراءة والكتابة. الآن
الذي لايعلم الحاسب الآلي ويفك رموزه يعتبر أميًا. فهل الأمة الآن قادرة على
اللحاق والسباق في هذا المضمار؟
ظهروا
عقولكم من هذا الوهم.. فليس العلم الديني هو العلم وحده؛ لأن الله تعالى بعث هذه
الأمة لتؤدي مهمتين: إعمار الأرض وهداية البشرية. والعلم النافع هو الذي يعمر
الكون وينفع البشرية كلها.
وقد
رأينا آثار أعلام المسلمين في هذه العلوم (الفلك والطب..) العلم التجريبي كان أحد
العلوم التي نبتت وبرع فيها المسلمون ودليلهم القرآني قول الله تعالى: ﴿أَفَلاَ
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ (أفلا يتفكرون...) والتجربة العملية ﴿قُلْ
سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا﴾.
و
وظيفة هذا العلم التجريبي، الإعمار لهذا الكون؛ فعن أنس بن مالك قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم
«إن
قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل».
رواه أحمد.
والنبي
صلى الله عليه وسلم
قبل ظهور أزمة المياه وأزمة البيئة ينهى عن السرف، وهذا تنبيه للأمة للمحافظة على
البيئة؛ لأنها أبناءها حملة أمانة، يقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم عندما مر بسعد وهو يتوضأ: «ما
هذا السرف»؟
فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: «نعم وإن كنت
على نهر جار».
إن
أهل هذا الزمان عليهم أن يفهموا القرآن ويتدبروا وسوف يستنبطون منه آلاف الأمور
لمواجهة تحديات العصر التي تخدمهم.
العلم
إذن ليس هو العلم الديني وحده، وإنما هو العلم الديني والعلم الكوني الموجه لعمارة
الأرض.
الأزمة الثالثة: العمل.
فشعار المسلمين (قُلِ اعْمَلُوا...) ويقول صلى الله عليه وسلم : «وإن أقوامًا قالوا: إنا نحسن الظن بالله. وكذبوا، لو أحسنوا
الظن لأحسنوا العمل». والعجيب في الأمر أن الإحصائيات تشير إلى أن الموظف
الحكومي عندنا لا يتجاوز عمله ثلاث ساعات ونصف الساعة أسبوعيًا بينما أمم الأرض لا
تنام.. في أول زيارة لي إلى اليابان ذهبت إلى مصنع كبير فعلمت أن 90% من العمال يرفضون الإجازة الأسبوعية ولا ينقطعون خلالها عن عملهم.
نحن
أهل كلام لا يعقبه عمل والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا
مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾. الصف الآيتان 2، 3.
إذاً
فهذه مفارقة وكلام العرب والمسلمين أصبح أكثره شيكات بدون رصيد.
والعمل المطلوب في الإسلام:
1 –
العمل الذي تزيد إنتاجيته. وعلينا ألا
نتوقف عن العمل؛ لأننا الآن أمة مسبوقة فإذا أردنا اللحاق بالآخرين فعلينا مضاعفة
العمل.
2 –
العمل الجيد: وهذا أحد الفرائض الكبرى الغائبة
عنا فرسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: «إن
الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».
وقوله صلى الله عليه وسلم
«إن
الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح
وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته».
ومع ذلك فأغلب المسلمين لا يتقنون عملاً. لاعمل سياسي لاعمل اقتصادي ولا أي عمل من
أي نوع. الأمة التي يصل أمرها إلى هذا فقد ضاع أمرها فرطاً ولن تقوم لها قائمة.
والتدريب
على إتقان العمل هو أمر لابد أن يقوم به الدعاة ويوجهوا المسلمين إليه ليعمروا
الدنيا ويقبلوا على الحياة، سمة المؤمن، ومعرفة الناس طريق للجنة وترك الدنيا ليس
زهدًا، والتخفف من المباحات ليس زهدًا، والتقرب إلى الله ليس بترك الحلال، «إن
الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه»
وإنما التقرب إلى الله بالوقوف عند محارمه: فما أحله فهو حلال؛ ففي الحديث الذي
رواه الترمذي عن ابن عباس قال: قال رسول الله: «أحبوا
الله لما يغذوكم من نعمه وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي».
علموا
أنفسكم كيف تستمتعون بالحياة بالحلال؛ فإنها متعة، وكيف يحب الله من لم يذق نعمة
الله؛ فمن ذاق عرف.
الأزمة الرابعة:
أن لدينا نماذج للتدين الشكلي.
نحن
لا نقول فلانًا من أهل الجنة ولا فلانًا من أهل النار.. فنحن لا نتأله على الله،
فالله أعلم بالسرائر. لكن هناك نماذج نذكرها تحذيرًا منها:
النموذج الأول: نموذج الغيبة المطلقة
التي تتصور أن العلم في واد والكاف والنون في واد.
النموذج
الثاني: نموذج أن الله لايحسابنا بالسنن الكونية، مع أن هذه السنن والعلل
الكونية إذا اسقطت سقط العدل وضاعت الرحمة.
النموذج الثالث:
الحرفية التي تتجاهل المقاصد.
النموذج الرابع: الغضب
الذي يحرق العقل ويحول المسلمين إلى شرذمة غاضبة بينها وبين الناس حرب معلنة.
الدين
جاء إلى الحياة ﴿يَا أَيُّها النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إلىٰ
اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (سورة فاطر آية 15)
للمسلمين رسالة.
والذي يحمل الرسالة عليه هموم، ولو كان همًا واحدًا لتحمله؛ ولكنه هم وثان وثالث.
لكن
الإحباط والشعور باليأس والعجز ليس أحد البدائل، ولنتذكر أن رسولنا صلى
الله عليه وسلم كان قلبه متعلقًا بالله وبنصره حتى
في أحلك الظروف والمواقف الصعبة والمؤمن لاينظر إلى الحياة بالقنوط واليأس. ولكن
يجب أن تكون ثقته في الله كبيرة.
أقولها تحقيقًا لا تعليقًا: يقول الشاعر محمد
إقبال: المؤمن الضعيف يعتبر بقدر الله والمؤمن القوي هو هو قدر الله. قدر يفتح
ذراعيه بالحنان والرحمة، وبالألفة نكسب الناس إلى صف الإسلام الذي يتسع صدره للجميع.
أختم
كلمتي: وآن الأوان أن يتعانق المؤمنون بالله واليوم الآخر (السنة والشيعة) وأعداء
الأمة يريدون تفكيكها فلا نعطيهم هذه الفرصة.
ولابد
أن تترك الكلمة أثرها الطيب في النفوس.
وينبغي
أن ندقق في عبارتنا، ولا نطلق الكلام إلا بعد استدلال واستنباط، يقول القائل:
وليس
كل كلام جاء معتبرًا
إلا
كلام لـه حظ من النظر
* * *
مجلة
الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، جمادي الثانية 1432هـ = مايو 2011م
، العدد : 6 ، السنة : 35